الاعلام حين يكون قائداً.ً.تجربة قناة الفيحاء أنموذجا

سقوط ستارة نظام شمولي مركزي متسلط على كل جوانب الحياة فتح الباب أمام تجارب مختلفة تشمل أصغر صغائر المجتمع الى أكبرها.. واتجه المواطن العراقي الى ما كان ينقصه، من حرية رأي وتعبير.. الأمر الذي أوقع كثير من التجارب في (مطبات) عديدة اساءت (بقصد او بدونه) الى جوهر ما ينقص مجتمعاتنا الفطرية..
ويأتي الإعلام في مقدمة تلك التجارب، حيث بدأ التهافت واللهاث باتجاه فتح مزيد من وسائل الاعلام، تلفزيون واذاعة وصحافة ودعاية واعلان ومراكز بحوث وما الى ذلك من وسائل تتصل بالناس حتى وصلت اعدادها الى ارقام لا تخطر على بال داخل وخارج العراق ما خلق تبايناً كبيراً بين وجهات النظر بعضها منحازة الى هذا الطرف أو ذاك.. 
بعض ممن يعملون في الاعلام وخلال فترة الخمس سنوات الماضية كانوا ذيولاً لسياسيين ومسؤولين، فاستخدموا التطبيل والتهليل والتلميع لصور ما زالت باهتة من أجل ايهام الناس بالمنجزات الجبارة التي قدمها هذا (العملاق) او ذاك..
آخرون وقفوا على التل، يراقبون (خشية أو خجلاً) دون ان يشيروا الى أمكنة الوهن والخطأ ودون أن يعرفوا الناس بما يحدق بهم من أخطار حتى عكسوا صورة مشوشة لاعلام هزيل ما كنا ننتظر مثله ابداً.. 
هناك من رفع رايات ما يحلو أن يسميها (المعارضة)، فكل ما لا يرضي مزاجهم هو خائن ومجرم ويجب قلعه.. وراحوا ينشدون بحماس منقطع النظير من أجل أن يزاح الزمن العراقي الى خلف ويعيدنا الى زمن المواقف (العروبية)و(القومية) الشجاعة..
هذه المواقف لم تنطل على الناس، حتى على أولئك البسطاء منهم.. لم تنطل لعبة الاعلام التي تشارك دون أن تدري بقتل المجتمع العراقي.. فالناس راحوا يعدون ايامهم بعدد الخسارات التي التهمتهم.. ويعدون سنوات عمرهم التي ضاعت بحجم ما سُرقت من مالهم العام وراحت في جيوب من لا يخاف الله.. 
ما قدمته الفيحاء يوم 26 كانون الثاني في البصرة يعد نهجاً جديداً في اعلامنا الذي نرجوه.. فهي مثلما فعلت في مرات سابقة لم تكتفِ أن تطلق دعواتها عبر الاستوديو انما نزلت الى الشارع والتقت بالناس.. ولأن الانتخابات التي ستجرى تعتبر مصيرية فقد رأت الفيحاء وهي القناة الفتية انه لا بد من النزول الى القاعدة /الناخبين وان يلتقوا وجهاً لوجه مع المرشحين وان تكون هذه التجربة والخطوة وثيقة عهد من المرشح الى الناخب ستبثها الفيحاء (كما جاء في كلمة مديرها العام د. محمد الطائي) بعد ستة أشهر أو سنة لترى ما تم تحقيقه من برامج طرحها المرشحون.. هذه التجربة غير المسبوقة هي ما نطمح اليه في تأسيس اعلام متصل مثابر حريص على أن يكون مصدر ثقة لجميع الناس دون النظر الى طائفة او قومية..
ما يعنينا هنا هو أن يأخذ الاعلام دور الريادة والقيادة (اذا صح القول) وأن يستمع اليه الناس والمسؤولون على حد سواء ويثنوا على كلمته وهو ما شاهده العالم في تجربة الفيحاء المثلى دون أن تنسى أحداً..
هذا هو الدور الذي نرغب فيه لاعلام ناصح ومثبت ومهندس لعلاقة جديدة فيما بين المسؤول والرعية.. لا ان يكون معارضاً فجاً يبحث عن الخلل في مفاصل الحياة الخدماتية والسياسية دون أن يقترح الحلول المناسبة لها.. لا أن يحرض هذه الفئة على تلك دون أن يكون له دور في نشر المحبة والتآلف والتكاتف بين الناس..
الاعلام قائد، ويمكن أن يبقى قائداً في المجتمع شرط أن يتبوأه اعلاميون عارفون بعملهم ومهنيون لا ينحازون الى أحد. 

الحوار المتمدن-العدد: 2542 – 2009 / 1 / 30 

Share: