سلَّة العراق هل تبقى فارغة ..؟

على امتداد خارطة الوطن، ثمة خيرات لم يشهدها بلد آخر، خيرات متنوعة وثروات إذا ما استثمرت بالطريقة المثلى فسوف يكون العراق جنةً حقيقية على وجه الأرض. وقدر هذا البلد أن الله جعل خيراته قريبة منه وفي متناول اليد، ويكفيك أن تقوم بعمل مثابر لتجد أن الخير كله قد وقع في حضنك.. لكن المشكلة، إننا ننتظر اليد التي تضع الخبز في حلوقنا، بل وتجبرنا أن نلوكه لننتفع منه! وهناك من ينتظر أن يطرق الخير بابه منهياً نهاره بمراقبة هذا وذاك حاسداً أو حاقداً.. 
قد يقول قائل: إنك لم تأتِ بجديد، والطريق التي تتحدث عنها بهذه السهولة، وحياة الناس مرهونة بأقدارهم.. وما إلى ذلك من استنتاجات.. نحن معكم في استنتاجاتكم ، نعرف أن أشد بلوى هي أن نقر بضعفنا في وقت أن كل مصادر القوة متوفرة، لكن هناك من يلجم تصميمنا ويضعنا حيث دائرة الوهن.. 
الحكومات السابقة متهمة بذلك، بل هي كذلك عصيها كثيرة تفردها في عجلة حياة الناس، ويرضيها جداً أن تموت الإدارة من أجل أن يصعد منسوب سلطتها.. لهذا بقي العراقي حاله أزرى من حال أبناء القرى الأفريقية يعتاش على فئات موائد السلطة، وهو بمدنه وأنهاره مثل (العيس في البيداء يقتلهما الظمأ والماء فوق ظهورها محمول)! 
لقد جربنا السلطة بأقسى وأعنف صورها، وجربنا سلطة العصا حتى نسينا سلطة الضمير، فكان لابد أن يصل الحال بنا إلى الحد المقيت فكرهنا بعضنا، وهجرنا مدننا، وصار ملء الجيوب غاية ووسيلة واستفحل الظلام في الرؤوس والسواد في الصدور، وغاب عنا الهدوء، كل ذلك بفعل سنوات مرَّستنا على العنف ، مع العائلة والأصدقاء والغرباء.. سنوات زرعت فيها عيون المخبرين الرسميين وغير الرسميين في أدق تفاصيل حياتنا.. وأرادت السلطة – آنذاك – أن تطبِّق بحقنا المثل القائل (جوّع كلبك يتبعك!) فمسخت كثيرين كلاباً لها ومن امتنع صار رماداً ونسياً منسياً.. وحين أحس العالم بمصيبتنا مد طوق نجاة لنا من خلال ( مذكرة التفاهم ) وأخبرنا متمرس في السياسة الدولية أن الأمم المتحدة تفاوضت مع سلطة الأمس لأربع سنوات متتالية وكانت بالمقابل تتلقى الرفض حتى وصل الجوع بالعراقيين إلى العظم! فما كان يروق للنظام أن يشبع العراقيون لا بل كان يجبرهم في أن يصفقوا له ببطون خاوية! وحتى ( مذكرة التفاهم ) اتضح فيما بعد أنها كانت منفذاً لسرقة خيرات العراق.. 
إذن، كان لابد من التغيير، لينجو العراقيون بجلودهم اليابسة وعظامهم الناتئة، وأمراضهم المستديمة.. ولكن، هل كان علينا أن نتحمل مزيداً من الدماء لنزيح عن صدورنا كابوس الديكتاتورية والفاشية؟ 
نعم تحملنا ذلك، وصعدت قوافل الضحايا إلى بارئها شاكية ظلم الأقربين.. وأسقطت السلاسل الأمريكية التمثال الكابوس في ساحة الفردوس، وصفّقنا نحن بقوة لبطولاتنا في تحمُّل الجوع والمرض وتساقط الآلاف من أطفال اللوكيميا.. 
صفقنا لهزائم الأمس، وهروبنا الجماعي من لظى العراق إلى جحيم الـ(Green Card) ووقوفنا منكسرين أمام سفارات العالم.. لم تكن مصادفة أن يبدأ التغيير مع بدء فصل الربيع ، فقد أراد الله أن يكون يوم العراق الجديد ربيعاً.. أرادنا أن ننتهز الفرصة ونزرع الدروب بالورود والرياحين بعدما زرعت بالألغام والمتفجرات .. أرادنا أن نملأ السلاسل بالعافية.. وأن تبدأ سلَّة العراق ، البصرة ، عهداً جديداً غير قابل للمساومة.. وعلى (الناقة) أن تتمتع بما حملت، لها ولأهلها، أن تضحك الشوارع والساحات وتزدان بالفرح السرمدي ، أن تكتسي المدينة بالخضرة بعد يباب طويل.. آن أوان جني الثمار، وقطف الحقوق من شجرة دولتنا (المباركة) قبل أن يستفحل ما استفحل فينا الأمس لنجد أنفسنا سائرين معصوبي العيون خلف فتاوى حكومتنا الموقرة لنقع من جديد في دائرة (الحلب) ساعتها لن تسلم بقرتنا الحلوب حتى على أظلافها ! 
نحن ندق ناقوس الخطر، لكي لا تفرغ سلّتنا وأن لا نتحجج ثانية بحموضة العنب ما دمنا مقبلين على عصر جديد تزدهر فيه المساواة ويتحقق العدل.

نشر في موقع الناس بتاريخ الثلاثاء 31/10/ 2006

Share: